في نهاية العام، أعلنت الحكومة الصينية عبر إعلامها الرسمي أنها تمكنت من "تنظيف الإنترنت تماما وجعله آمن للشباب" وذلك بعد حملة لم تستمر أكثر من شهرين فقط سميت "الشبكة الخضراء". وجاء ذلك بهدف "محاربة المحتوى الخبيث والشائعات"بحسب تعبير الصحافة المحلية. ونجحت السلطات الصينية في إيقاف الكثير من المدونين وتقليل عدد التعليقات والكتابات والمراسلات المنتقدة للحكومة المركزية بحسب دراسة نشرتها "جريدة الشعب" الصادرة عن الحزب الشيوعي الحاكم.
ناشر الدراسة نفسه، زهيو هواشين، أخصائي في الرأي العام ومدير مركز لتنظيم ومراقبة الإنترنت في البلاد. وهنأ هواشين المجهودات المبذولة لتمكنها من تغليب "القوى الإيجابية على القوى السلبية وإعادة المايكروفون إليها". لكن هذا النجاح الفائق السرعة للدولة الصينية في تحقيق أهدافها على الإنترنت لم يكن بالصدفة أو وليد الأمس، لتقوم دول أخرى بإعادة إنتاجه بمجرد قرار. هواشين والكثير مثله من منظري سياسة الصين الأمنية على الإنترنت بذلوا مجهودا تراكميا على مدى عقد من الزمان. فمنذ أن تم توصيل الصين بشبكة المعلومات العالمية عام 1994، كانت سياستها في تأمينه محافظة للغاية رغم دعاوى مستمرة أن هذا يؤثر حتما على النمو الاقتصادي للبلاد، وهو ما ثبت عكسه على أرض الواقع.
يعود نصف هذا النجاح إلى عمل الصينيين الدءوب طوال تلك المدة على تطوير منتجات تسمح لهم بالاستقلالية على الإنترنت، والنصف الآخر إلى فرصة سانحة لتوجيه الضربة القاضية الأخيرة بفضل تسريبات إدوارد سنودن. فالصين قد تكون البلد الوحيد الذي أصدر تشريعات صارمة تحكم الإنترنت منذ يومه الأول بينما قامت بقية البلاد بالتشريع كرد فعل بعد انتشار ظواهر خطيرة. تلك التشريعات جعلت جوجل على وجه المثال يوقف محرك بحثه الصيني بسبب "التضييق الرقابي" عام 2010.
لكن في نفس الوقت كان هناك محرك صيني فعال وذو شعبية كبيرة ويحترم قوانين الدولة بشكل كامل ليأخذ مكانه: Baidu. وعندما جاءت ثورة التواصل الاجتماعي، كانت الصين مستعدة بنسختها الخاصة: Weibo الذي به 281 مليون مستخدم. أما إذا كان المستخدم من هواة تطبيقات الرسائل النصية ويفضل مزيدا من الخصوصية، فسيتجه مثل حوالي نصف مليار من رفقائه الصينيين إلى تطبيق Wechat. وكل تلك الشركات، بالإضافة إلى منافسيها الأصغر حجما، تلتزم بالقوانين المحلية كحفظ بياناتها داخل الصين حيث يمكن للسلطات الحصول عليها عند الحاجة، وتسليم أي شخص يضر بالأمن القومي إليها، إلى آخره من المحاذير. كما أن هناك تشريع ينص على تفضيل التقنية المحلية من شركات مثل ZTE وHuawei على الشركات الأجنبية إذا ما كان المنتج المراد موجود لدى الجانبين.
أما تسريبات سنودن عن برنامج التجسس الأمريكي على الإنترنت التي تواترت خلال العام الماضي فكانت بمثابة هدايا لا نهائية للحكومة الصينية. فأولا، ككثير من البلاد، نبهت التسريبات من بعض الثغرات في أمان المعلومات. ثانيا، جعلت برامج مثل برنامج "حرية الإنترنت" الذي خصص من خلاله الكونجرس الأمريكي عشرات الملايين من الدولارات معظمها لدعم المدونين المعارضين حول العالم يفقد مصداقيته تماما. ثالثا وبمساعدة تغطية محلية وعالمية واسعة في وسائل الإعلام جعل جمهور الصينيين يتفهم فرض حكومته سيادتها على الإنترنت، بل جعل الإتحاد الأوروبي والبرازيل يتسألون إذا ما كان يجب عليهم سلك درب الصين منذ البداية. كما أن الشركات الأمريكية التي تعمل في مجالات الاتصالات انخفضت مبيعاتها بحدة في الأشهر الأخيرة داخل الصين التي تعد أكثر الأسواق نموا في القطاع لصالح شركات محلية، حيث هوت مبيعات Cisco في الصين بنسبة 18 % في الربع الأخير من عام 2013 بينما هوت مبيعات IBM بنسبة 22 %.
وأخيرا، وليس آخرا، مكنت التسريبات الحكومة الصينية من القضاء على كل ما تعتبره يهدد مصالحها على شبكة المعلومات في وقت قياسي. ولم تستطع الصحافة العالمية أن تنتقدها بالشراسة المعهودة، بعد أن كانت تعول على "ربيع صيني" من خلال التواصل الإجتماعي على الإنترنت في عام 2012.